الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
هو عبد الرحمن بن عقبة بن إياس بن الحارث بن عبد أسد بن جحدم بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال المهملة أيضًا وبعدها ميم ساكنة الفهري أمير مصر. وليها من قبل عبد الله بن الزبير بن العوام لما بويع بالخلافة في مكة وبايعه المصريون وتوجه إليه منهم جماعة كثيرة وبايعوه فأرسل إليهم عبد الرحمن هذا فوصل إلى مصر في شعبان سنة أربع وستين التي ذكرنا حوادثها في إمرة سعيد بن يزيد المقدم ذكره ودخل معه مصر جماعة كثيرة من الخوارج وأظهروا دعوة عبد الله بن الزبير بمصر ودعوا الناس لبيعته فتابعهم الناس والجند على ما في قلوبهم من الحب في الباطن لبني أمية. ولما دخل عبد الرحمن المذكور إلى مصر وتم أمره أقر عابسًا على الشرطة والقضاء بمصرة فبينما هم في ذلك وصل الخبر من الشأم ببيعة مروان بن الحكم بالخلافة وأن أمره تم فصارت مصر معه في الباطن وفي الظاهر لابن الزبير حتى جهز مروان بن الحكم جيشًا مع ابنه عبد العزيز إلى أيلة ليدخل مصر من هناك. ثم ركب مروان بن الحكم في جيوشه وجموعه وقصد مصر فلما بلغ عبد الرحمن بن جحدم ذلك استعذ لحربه وحفر خندقًا في شهر أو قريب من شهر وهو الذي بالقرافة. وسار مروان حتى نزل مدينة عين شمس أعني المطرية خارج القاهرة فخرج إليه عبد الرحمن فتحاربوا يومًا أو يومين فكانت بين الفريقين مقتلة كبيرة. ثم آل الأمر بينهما إلى الصلح واصطلحا على أن مروان يقر عبد الرحمن ويدفع إليه مالًا وكسوة ودخل مروان مصر في غرة جمادى الأولى سنة خمس وستين. وقال صاحب البغية في آخر جمادى الأولى من السنة. ومدة مقام ابن جحدم فيها إلى أن دخل مروان تسعة أشهر. وبايعه الناس إلا قليلًا فضرب أعناقهم وجعل على الشرطة في مدة مقامه عمرو بن سعيد بن العاص وخرج منها يعني مروان لهلال رجب سنة خمس وستين. انتهى كلام صاحب البغية. وقال غيره: وعزل مروان عبد الرحمن بن جحدم عن إمرة مصر وكانت مدة ولايته عليها تسعة أشهر وأيامًا. وفتح مروان خزائنه ووضع العطاء فبايعه الناس إلا نفرًا من المعافر قالوا: لا نخلع بيعة عبد الله بن الزبير. فضرب مروان أعناقهم وكانوا ثمانين رجلًا وذلك في نصف جمادى الآخرة. وكان في ذلك اليوم موت عبد الله بن عمرو بن العاص فلم يستطع أحد أن يخرج بجنازته إلى المقبرة فدفنوه بداره لشغب الجند على مروان. ثم ضرب مروان عنق الأكدر بن حمام اللخمي سيد لخم وكان من قتلة عثمان رضي الله عنه ثم ولى مروان ابنه عبد العزيز بن مروان على مصر وجمع له الصلاة والخراج معًا. ثم خرج منها مروان يريد الشأم بعد أن أوصى ولده عبد العزيز بوصايا كثيرة مضمونها الرفق بأهل مصر. وكان خروج مروان من مصر في أول يوم من شهر رجب. وقال ابن كثير: وفيها يعني سنة خمس وستين دخل مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق إلى مصر فأخذاها من نائبها لعبد الله بن الزبير. وكان سبب ذلك أن مروان قصدها فخرج إليه نائبها عبد الرحمن بن جحدم فقابله مروان ليقاتله فاشتغل به وخلص عمرو بن سعيد بطائفة من الجيش من وراء عبد الرحمن بن جحدم فدخل مصر وملكها وهرب عبد الرحمن بن جحدم. ودخل مروان إلى مصر فتملكها وجعل عليها ولده عبد العزيز بن مروان. انتهى كلام ابن كثير برمته. وقال ابن الأثير في كتابه الكامل: ذكر فتح مروان مصر قال: ولما قتل الضحاك وأصحابه وأستقر الشأم لمروان سار إلى مصر فقدمها وعليها عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير فخرج إلى مروان فيمن معه. وبعث مروان عمرو بن سعيد من ورائه حتى دخل مصر فقيل لابن جحدم ذلك فرجع. وبايع الناس مروان ورجع إلى دمشق فلما دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث إليه أخاه مصعبًا في جيش فأرسل إليه مروان عمرو بن سعيد قبل أن يدخل الشأم فقاتله فانهزم مصعب وأصحابه وكان مصعب شجاعًا ثم عاد مروان إلى دمشق فاستقر بها. وكان الحصين بن نمير ومالك بن هبيرة قد اشترطا على مروان شروطًا لهما ولخالد بن يزيد فلما توطد ملكه قال ذات يوم ومالك عنده: إن قومًا يدعون شروطًا منهم عطارة مكحلة يعني مالكًا فإنه كان يتطيب ويتكحل فقال مالك هذا: ولما تردي تهامة ويبلغ الحزام الطبيين! فقال مروان: مهلًا يا أبا سليمان إنما داعبناك فقال: هو ذاك. انتهى كلام ابن الأثير برمته. قلت: وكانت أيام عبد الرحمن هذا على مصر مع قصر مدته كثيرة الفتن والحروب من أولها إلى آخرها غير أنه حج بالناس من مصر في أيامه وبنى عبد الله بن الزبير الكعبة ولم يحج أحد من الشأم في هذه السنة. قال ابن الأثير: لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشأم عبد الله بن الزبير أيام يزيد بن معاوية تركها ابن الزبير يشنع بذلك على أهل الشأم. فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبير شرع في بنائها فأمر بهدمها حتى التحقت بالأرض وكانت قد مالت حيطانها من حجارة المنجنيق وجعل الحجر الأسود عنده وكان الناس يطوفون من وراء الأساس وضرب عليها السور وأدخل فيها الحجر واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: " لولا حدثان عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم - عليه السلام - وأزيد فيها من الحجر ". فحفر ابن الزبير فوجد أساسا أمثال الجبال فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة فقال: أقروها على أساسها وبنائها. وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر وقيل كانت عمارتها سنة أربع وستين. السنة التي حكم فيها عبد الرحمن بن جحدم على مصر من قبل عبد الله بن الزبير وهي سنة خمس وستين: فيها وقع الطاعون الجارف بالبصرة - في قول ابن الأثير - وعليها عبد الله بن عبيد الله بن معمر فهلك خلق كثير وماتت أم عبيد الله فلم يجدوا لها من يحملها. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير وكان على المدينة أخوه مصعب بن الزبير وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع وعلى البصرة الحارث بن أبي ربيعة المخزومي وعلى خراسان عبد الله بن خازم. وفيها وجه مروان بن الحكم الخليفة حبيش بن دلجة في أربعة آلاف إلى المدينة وقال له: أنت على ما كان عليه مسلم بن عقبة. فسار حبيش ومعه عبيد الله بن الحكم أخو مروان وأبو الحجاج يوسف الثقفي وابنه الحجاج وهو شاب فجهز متولي البصرة من جهة ابن الزبير وهو عبيد الله التيمي جيشًا من البصرة فالتقوا مع حبيش بن دلجة في أول شهر رمضان فقتل حبيش بن دلجة وعبيد الله بن الحكم وأكثر الجيش وهرب من بقي وهرب يوسف وابنه الحجاج وفيها دعا عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية إلى بيعته فأبى محمد فحصره في شعب بني هاشم في جماعته وتوعدهم. وفيها دخل المهلب بن أبي صفرة إلى خراسان أميرًا عليها من قبل ابن الزبير وحارب الأزارقة أصحاب ابن الأزرق وقاتلهم حتى كسرهم وقتل منهم أربعة آلاف وثمانمائة. قال الذهبي: ووقع أيضًا في هذه السنة بين مروان وبين ابن الزبير حروب كثيرة حتى توفي مروان حسبما يأتي ذكره. وفيها توفي مالك بن هبيرة السكوني له صحبة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي الخليفة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك القرشي الأموي ويقال أبو القاسم وأبو الحكم ولد بمكة بعد عبد الله بن الزبير بأربعة أشهر. قال الذهبي: ولم يصح له سماع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن له رؤية إن شاء الله. قلت: وهو ابن عم عثمان بن عفان وكاتبه ومن أجله كان ابتداء فتنة عثمان رضي الله عنه وقتله ثم انضم إلى ابن عمه معاوية بن أبي سفيان وتولى عدة أعمال إلى أن وثب على الأمر بعد أولاد يزيد بن معاوية أعني معاوية وخالدًا وبويع بالخلافة فلم تطل مدته ومات في أول شهر رمضان. وفي سبب موته خلاف كثير وعهد بالخلافة من بعده إلى ابنه عبد الملك ثم من بعده إلى ابنه عبد العزيز أمير مصر وكان أولًا أراد أن يعهد لخالد بن يزيد بن معاوية فإنه كان خلعه من الخلافة وتزوج بأمه ثم بدا له أن يعهد لولديه عبد الملك وعبد العزيز ثم ما كفاه فزبره وقال: تنح يا بن رطبة الإست! والله ما لك عقل وبلغ أم خالد ذلك فأضمرت له السوء فدخل مروان عليها وقال لها: هل قال لك خالد شيئًا فأنكرت فنام عندها فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه وغمرته هي والجواري حتى مات ثم صرخن وقلن: مات فجأة. وقال الهيثم: إنه مات مطعونًا بدمشق. والله أعلم. وفي حدودها توفي قيس بن ذريح أبو زيد الليثي الشاعر المشهور. كان من بادية الحجاز وهو الذي كان يشبب بأم معمر لبنى بنت الحباب الكعبية ثم إنه تزوج بها وقيل: إنه كان أخا الحسين بن علي رضي الله عنهما من الرضاعة ثم أمر قيسًا هذا أبوه بطلاق لبنى فطلقها وفارقها ثم قال فيها تلك الأشعار الرائقة من ذلك قوله: الطويل ولكن قلبى قد تقسمه الهوى شتاتًا فما ألفى صبورًا ولا جلدا وله بيت مفرد: الطويل وكل ملمات الزمان وجدتها سوى فرقة الأحباب هينة الخطب وفي حدودها أيضًا توفي قيس بن معاذ المجنون ومن ثم يقاس الجنون بمجنون ليلى وقيل اسمه البختري بن الجعد وقيل غير ذلك. وليلى محبوبته: هي ليلى بنت مهدي أم مالك العامرية الربعية وهو من بني عامر بن صعصعة وقيل من بني كعب بن سعد قيل إنه علق بليلى علاقة الصبا لأنهما كانا صغيرين يرعيان أغنامًا لقومهما فعلق كل واحد منهما بالآخر فلما كبرا احتجبت عنه ليلى فزال عقله وفي ذلك يقول: الطويل تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابةٍ ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم ثم عظم الأمر به إلى أن صار أمره إلى ما هو أشهر من أن يذكر. وقيل إنهما ماتا في سنة ثمانٍ وستين. وفيها توفي عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم وقد تقدم بقية نسبه في ترجمة أبيه عمرو بن العاص الأموي الصحابي وكنيته أبو محمد ويقال أبو عبد الرحمن القرشي السهمي كان من نجباء الصحابة وعلمائهم وهو من المكثرين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا يوم وفاته في دخول مروان بن الحكم إلى مصر عندما أزال عنها عبد الرحمن بن جحدم. وفيها توفي النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة أبو عبد الله ويقال أبو محمد الأنصاري الخزرجي الصحابي ابن أخت عبد الله بن رواحة. ولد سنة اثنتين من الهجرة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وولي قضاء دمشق لمعاوية بن أبي سفيان. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعًا. وفي درر التيجان: خمسة أذرع وستة أصابع مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أمير مصر كنيته أبوا لأصبغ مولده بالمدينة ثم دخل الشام مع أبيه مروان وكانت داره بدمشق وهي الدار التي للصوفية الآن المعروفة بالسميساطية ثم كانت لابنه عمر بن عبد العزيز بعده. وولي إمرة مصر لأبيه مروان في غرة شهر رجب سنة خمس وستين على الصلاة والخراج معًا بعد ما عهد له وكان السبب في بيعتهما أن عمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطين رجع إلى مروان وهو بدمشق فبلغ مروان أن عمرًا يقول: إن الأمر لي بعد مروان فدعا مروان حسان بن ثابت فأخبره بما بلغه عن عمرو فقال: أنا أكفيك عمرًا فلما اجتمع الناس عند مروان عشيًا قام حسان فقال: إنه بلغنا أن رجالًا يتمنون أماني قوموا فبايعوا لعبد الملك ثم لعبد العزيز من بعده فبايعوا إلى آخرهم. ومات أبوه بعد مدة يسيرة حسبما تقدم ذكره واستقر أخوه عبد الملك بن مروان في الخلافة من بعده فأقر عبد العزيز هذا على عمل مصر على عادته. وقد روى عبد العزيز هذا الحديث عن أبيه وعبد الله بن الزبير وعقبة بن عامر وأبي هريرة وروى عنه ابنه عمرو بن عبد العزيز والزهري وعلي بن رباح وجماعة. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال غيره: كان يلحن في كلامه ثم تعلم العربية فأحسن تعلمها وكان فصيحًا جوادًا ذا مروءة وكرم وكان أبوه مروان عقد له البيعة بعد عبد الملك ثم ولاه مصر وهو معدود من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام. وكان عبد العزيز هذا قد حده عمرو بن سعيد الأشدق في شراب شربه فوجد عليه ابنه عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر المدينة وجد إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر في بيت خليدة العرجاء فحده عمر حد الخمرة فقال إسحاق: يا عمر كل الناس جلدوا في الخمر - يعرض بأبيه عبد العزيز. ولما أقام عبد العزيز بمصر وقع بها الطاعون في سنة سبعين فخرج عبد العزيز من مصر ونزل بحلوان فأعجبته فاتخذها سكنًا وجعل بها الحرس والأعوان وبنى بها الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وغرس نخلها وكرمها. ثم جهز البعث لقتال ابن الزبير في البحر في سنة اثنتين وسبعين. ثم لما طالت أيام عبد الملك في الخلافة بعد قتل عبد الله بن الزبير ثقل عليه أمر عبد العزيز هذا وأراد أن يخلعه من ولاية العهد ويجعلها عبد الملك لولديه الوليد وسليمان من بعدي فمنعه قبيصة بن ذؤيب من ذلك وكان قبيصة على خاتم عبد الملك وقال له: لا تفعل ذلك فإنك باعث على نفسك صوتًا ولعل الموت يأتيه فتستريح منه فكف عن ذلك ونفسه تنازعه حتى دخل عليه روح بن زنباع الجذامي وكان أجل الناس عند عبد الملك فشاوره في ذلك فقال روح: لو خلعته ما انتطح فيها عنزان فبينما هما على ذلك وقد نام عبد الملك وروح تلك الليلة عنده إذ دخل عليهما قبيصة ليلًا وكان لا يحجب عن عبد الملك وكانت الأخبار والكتب تأتيه فيقرؤها قبل عبد الملك فقيل له: قد جاء قبيصة فدخل قبيصة فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز. فاسترجع عبد الملك وقال لروح: يا أبا زرعة كفانا الله ما أجمعنا عليه فقال له قبيصة: فداك ما أردت ولم تقطع رحم أبيك ولم تأت مات عاب به ولم يظهر منك غدر. وقيل غير ذلك: وهو أن عبد الملك كتب لأخيه عبد العزيز هذا: يا أخي إن رأيت أن تصير الأمر لابن أخيك الوليد فافعل فأبى عبد العزيز فكتب إليه عبد الملك ثانية: فاجعله من بعدك فإنه أعز الخلق إلي فكتب إليه عبد العزيز: إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز يعني ابنه ما تراه في الوليد فكتب عبد الملك إليه ثالثة: فاحمل خراج مصر إلي فكتب إليه عبد العزيز: إني وإياك قد بلغنا سنًا لم يبلغها أحد من أهلنا وإنا لا ندري أينا يأتيه الموت أولًا فإن رأيت آلا تغنث علي بقية عمري ولا يأتيني الموت إلا وأنت واصل فافعل فرق له عبد الملك وقال: لا أغنث عليه بقية عمره وقال لابنيه الوليد وسليمان: إن يرد الله أن يعطيكماها لم يقدر أحد من الخلق على ردها عنكما ثم قال لهما: هل قارفتما حرامًا قط. قالا: لا والله فقال عبد الملك: نلتماها ورب الكعبة. وقيل: إن عبد العزيز لمارد كلام عبد الملك قال عبد الملك: اللهم إنه قد قطعني فاقطعه. فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره فدعا عليه فاستجيب له فيه. قلت: وكانت وفاة عبد العزيز في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين من الهجرة وقيل سنة خمس وثمانين فكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا. وتولى مصر من بعده عبد الله بن عبد الملك بن مروان. وقال محمد بن الحارث المخزوي: دخل رجل على عبد العزيز في ولايته على مصر يشكو إليه صهرًا له فقال: إن ختني ظلمني فقال له عبد العزيز: من ختنك فقال: الرجل الختان الذي يختن الناس فقال عبد العزيز لكاتبه: ما هذا الجواب فقال: أيها الأمير إنك لحنت والرجل يعرف اللحن وكان ينبغي أن تقول: من ختنك بالضم فقال عبد العزيز: أتراني أتكلم بكلام لا تعرفه العرب والله لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن فأقام في بيتٍ جمعةً لا يظهر ومعه من يعلمه النحو فصلى بالناس الجمعة الأخرى وهو أفصح الناس. وقال الذهبي في كتابه تذهيب التهذيب بعد أن ساق نبذة من نسبه و ولايته وروايته بنحو ما قلناه إلى أن قال: روى ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى ابن عمر: ارفع إلي حاجتك فكتب إليه ابن عمر يعني عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى. وابدأ بمن تعول ولست أسألك شيئًا ولا أرد رزقًا رزقنيه الله عز وجل. وقال يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس: بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار لابن عمر فجئته بها ففرقها. وقال محمد بن هانىء الطائي عن محمد بن أبي سعيد قال: قال عبد العزيز بن مروان: ما نظر إلي رجل قط فتأملني إلا سألته عن حاجته. ثم قال بعد كلام آخر: وكان يقول عبد العزيز بن مروان: واعجبًا من مؤمن يوقن أن الله يرزقه ويوقن أن الله يخلف عليه كيف يدخر مالًا عن عظيم أجر أو حسن سماع!. قلت: وكان عبد العزيز جوادًا ممدحًا سيوسًا حازمًا. قال ابن سعد: مات بمصر سنة خمس وثمانين قبل أخيه عبد الملك بسنة. وقال الحافظ ابن يونس: ولي مصر عشرين سنة. وقال الليث بن سعد: توفي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وله حديث وهو: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع " انتهى كلام الذهبي باختصار. قلت: وعبد العزيز هذا هو الذي أشار على أخيه عبد الملك بضرب الدراهم والدنانير فضربها في سنة ست وسبعين. وعبد الملك أول من أحدث ضربها في الإسلام فانتفع الناس بذلك. وكان سبب ضربها أنه كتب في صدر كتاب إلى الروم: " ثم استشار أخاه عبد العزيز فأشار عليه أيضًا بذلك فضرب الدنانير والدراهم. ثم إن الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها: " فلم يتركه فوضع للناس سنج الأوزان ليتركه فلم يفعل وكان الناس لا يعرفون الوزن بل يزنون بعضها ببعض فلما وضع لهم سمير السنج كف بعضهم عن غبن بعض. وأول من شدد في أمر الوزن وخلص الفضة أبلغ من تخليص من كان قبله عمر بن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك وجود الدراهم ثم خالد بن عبد الله القسري أيام هشام بن عبد الملك فاشتد فيه أكثر من ابن هبيرة. ثم ولي يوسف بن عمر فأفرط في الشدة وامتحن يومًا العيار فوجد درهمًا ينقص حبة فضرب كل صانع ألف سوط. وكانوا مائة صانع فضرب في حبة واحدة مائة ألف سوط. وكانت الدراهم الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني أمية ولم يكن أبو جعفر المنصور يقبل في الخراج غيرها فسميت الدراهم الأولى مكروهة. وقيل: إن الدراهم المكروهة هي الدراهم التي ضربها الحجاج ونقش عليها: " وكانت دراهم الأعاجم مختلفة كبارًا وصغارًا فكانوا يضربون منها المثقال وزن عشرين قيراطًا واثني عشر قيراطًا وعشرة قراريط وهي أصناف المثاقيل فلما ضربوا الدراهم في الإسلام أخذ الوسط من ثلث هذا العدد وهو أربعة عشر قيراطًا فصار الدرهم العربي أربعة عشر قيراطًا ووزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل. بن مروان على مصر وهي سنة ست وستين: فيها عزل عبد الله بن الزبير عن الكوفة أميرها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع وفي أثناء هذا الأمر خرج المختار الكذاب من السجن والتف عليه خلق من الشيعة وقويت شوكته وضعف أمر عبد الله بن مطيع معه ثم إنه توثب بالكوفة فقاتله طائفة من أهل الكوفة فهزمهم وقتل منهم رفاعة بن شداد وعبد الله بن سعد بن قيس وغلب على الكوفة وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير وجعل المختار يتتبع قتلة الحسين بن علي فقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي ثم افترى المختار على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي فلهذا قيل عنه: المختار الكذاب. وفيه يقول سراقة بن مرداس: الوافر كفرت بوحيكم وجعلت نذرًا علي هجاءكم حتى الممات أري عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالترهات وفيها أيضًا التقى المختار مع عبيد الله بن زياد فقتل عبيد الله بن زياد وقتل معه شرحبيل بن ذي الكلاع وحصين بن نمير السكوني واصطلم المختار جيشهم وقتل خلقًا كثيرًا وطيف برؤوس هؤلاء وقيل إن ذلك في الآتية. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير. وكان عامله على المدينة أخاه مصعب بن الزبير وعامله على البصرة عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وكان بالكوفة المختار متغلبًا عليها وبخراسان عبد الله بن خازم. . وفيها توفي أسماء بن حارثة الأسلمي وحارثة بالحاء وله صحبة وهو من أصحاب الصفة وقيل: إنه مات قبل ذلك. وفيها توفي جابر بن سمرة وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص على خلف في وفاته. وفيها توفي أسماء بن خارجة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري سيد قومه في قول. وفيها كان الطاعون بمصر ومات فيه خلائق عظيمة وهذا خامس طاعون مشهور في الإسلام. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وسبعة أصابع مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وإصبعان. السنة الثانية من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة سبع وستين: فيها كانت الواقعة بين إبراهيم بن الأشتر النخعي وبين عبيد الله بن زياد وكان ابن الأشتر من حزب المختار وكان في ثمانية آلاف من الكوفيين وكان عبيد الله بن زياد في أربعين ألفًا من الشاميين فأسرع ابن الأشتر إلى أهل الشام قبل أن يدخلوا أرض العراق فسبقهم ودخل الموصل فالتقوا على خمسة فراسخ من الموصل بالخازر فانتهز ابن الأشتر وقتله وقتل من أصحابه خلائق ممن ذكرناهم في الماضية وغيرهم. وكان من غرق منهم في نهر الخازر أكثر ممن قتل ودخل ابن الأشتر الموصل واستعمل عليها وعلى نصيبين وسنجار العمال ثم بعث برؤوس عبيد الله بن زياد والحصين وشرحبيل بن ذي الكلاع إلى المختار فأمر بهم المختار فنصبوا بمكة. قلت: وعبيد الله بن زياد هذا هو الذي قاتل الحسين بن علي حتى قتله. وفيها عزل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن العراق وولاه لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير وكان حمزة جوادًا مخلصًا جوادًا أحيانًا حتى لا يدع شيئًا يملكه ويمنع أحيانًا ما لا يمنع مثله وظهر منه بالبصرة خفة وضعف فعزله أبوه وأعاد أخاه مصعبًا في الثانية. وفيها وجه المختار أربعة آلاف فارس عليهم أبو عبد الله الجدلي وعقبة بن طارق فكلم الجدلي عبد الله بن الزبير في محمد بن الحنفية وأخرجوه من الشعب فلم يقدر ابن الزبير على منعهم وأقاموا في خدمة محمد بن الحنفية ثمانية أشهر حتى قتل المختار وسار محمد بن الحنفية وأما ابن الزبير فإنه غضب من المختار لكونه انتصر لمحمد بن الحنفية وندب لقتاله أخاه مصعب بن الزبير وولاه جميع العراق فتوجه مصعب وحصر المختار في قصر الإمارة بالكوفة حتى قتله طريف وطراف أخوان من بني حنيفة في شهر رمضان وأتيا برأسه إلى مصعب. وقتل في حرب المختار جماعة من الأشراف منهم عمر وعبيد الله ابنا علي بن أبي طالب وزائدة بن عمير الثقفي ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي سبط أبي بكر الصديق. وفيها توفي عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي أسلم سنة سبع من الهجرة وكان كبير طيىء. وفيها توفي أبو شريح الخزاعي الكعبي الصحابي واسمه على الأصح خويلد بن عمرو أسلم يوم الفتح. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير - وكان عامله على الكوفة والبصرة ابنه حمزة وكان على قضاء البصرة عبد الله بن عتبة بن مسعود وعلى الكوفة أعني قاضيها هشام بن هبيرة والخليفة بالشام عبد الملك بن مروان أخو صاحب الترجمة وبخراسان عبد الله بن خازم. وفيها توفي الأحنف بن قيس بالكوفة مع مصعب بن الزبير وقيل: مات سنة إحدى وسبعين لما سار مصعب لقتال عبد الملك بن مروان. وفيها قتل مصعب بن الزبير عبد الرحمن وعبد الرب ابني حجر بن عدي وعمران بن حذيفة بن اليمان. قتلهم صبرًا بعد قتل المختار وأصحابه. وفيها توفي أبو واقد الليثي له صحبة وأحاديث. ويقال فيها أيضًا توفي زيد بن أرقم وقيل: إن وفاة هؤلاء في السنة الآتية وهو الأصح. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. السنة الثالثة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر وهي سنة ثمان وستين: فيها عزل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير عن العراق وولي عليها ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير وقد مر ذلك في الماضية. وفيها استعمل عبد الله بن الزبير جابر بن الأسود الزهري على المدينة فأراد جابر أن يبايع سعيد بن المسيب لابن الزبير فامتنع فضربه سبعين سوطًا قاله خليفة بن خياط. وفي هذه السنة وافى عرفات أربعة ألوية: لواء ابن الزبير وأصحابه ولواء ابن الحنفية وأصحابه ولواء بني أمية ولواء النجدة الحروري ولم يكن بينهم حرب ولا فتنة. وكان العامل على المدينة لابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري وعلى الكوفة والبصرة أخوه مصعب وعلى خراسان عبد الله بن خازم وكان عبد الملك بن مروان مشاققًا لابن الزبير. وفيها توفي عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي القرشي أبو العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الخلفاء العباسيين. ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مرتين. وكان يسمى الحبر لكثرة علومه ومات وله سبعون سنة رضي الله عنه. وفيها توفي عابس بن سعيد الغطيفي قاضي مصر ولي القضاء والشرطة بمصر لمسلمة بن مخلد عدة سنين. وفيها توفي قيس بن ذريح وقيس مجنون ليلى وقد تقدم ذكرهما في سنة خمس وستين. وفيها توفي ملك الروم قسطنطين. وفيها توفي عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة. وفيها توفي أبو شريح الخزاعي وأبو واقد الليثي وقد تقدم ذكرهما في الماضية. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعًا. وفي درر التيجان: وأربعة
|